هل الجِهاد الآن في سوريَّا فَرْضُ عَينٍ على كلِّ مسلِم؟
علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
15 شعبان 1434هـ
الحمدُ لله هازم المـُشركين، وناصِر عِباده الموحِّدين، ومشرِّع الجِهاد إلى يوم الدِّين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الملحَمة؛ محمَّد بن عبدالله، ورضِي الله عن صَحابته الكِرام، الذين فتَحوا العراق والشَّام، وهزَموا مجوس الفُرس ونَصارى الرُّومان.
أمَّا بعدُ:
فلا يَخفى على أحدٍ ما يَجري اليوم في بلاد الشَّام الحبيبة، وسوريَّا تحديدًا، من تكالُب أعداء الإسلام مِن نُصَيريِّ النِّظام، ورافضة إيران والعِراق ولبنان، بدَعم من روسيا، وتواطُؤٍ من الغرب، وتخاذُلٍ وخورٍ وعجْزٍ من الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة، حتَّى بِتنا نسمع ونشاهد كلَّ يوم مَقتلةً ومذبحةً، والعالَم كلُّه يتفرَّج ولا يُحرِّك ساكنًا! عدَا تصريحاتٍ سياسيَّة كاذبة، وفي خِضَمِّ ذلك واجَه شبابُ سوريَّا البواسلُ أسلحةَ روسيا وإيران وحِزب اللَّات الثَّقيلةَ بأسلحةٍ خفيفة، غنِموها من النِّظام المجرم، أو جاءتْهم بخوف واستحياء من بعض الدُّول والأفراد.
ولمـَّا طال أمَدُ الحرب، ودخلت الآن سَنتَها الثَّالثة، أثار كثيرٌ من الغيورين مسألة حُكم الجهاد في سوريَّا لغير أهلها؛ وردَّد بعضهم فتوى علماء المسلمين المشهورة، وهي: أنَّ أيَّ بلد يتعرَّض أهلُه للحرب، فيجب وجوبًا عينيًّا على أهل ذاك البلد الدِّفاعُ عنه، وصدُّ العدو الصَّائل؛ فإنْ عجَزوا أو خذلوا، وجَب على مَن يليهم، حتى يصبحَ الجهادُ فرْضَ عينٍ على كلِّ مسلم، حتَّى يردُّوا العدوَّ، وينتصر المسلمون.
فما موقعُ الجهاد في سوريَّا الآن من هذه الفتوى؟ وهل وصل الأمرُ إلى القول بالوجوب العينيِّ للجهاد على كلِّ مسلم، لا يُستأذن فيه الوالدان، ويأثم مَن تركه بغير عُذر؟
الجواب:
أولًا: إنَّ الفتوى في أيِّ قضيَّة نازلة في واقع النَّاس لا بدَّ لها من أمرين: معرفة الحُكم الشَّرعيِّ فيها، والإحاطة التامَّة والدِّراية الكاملة بحقيقة الواقِع، وهو ما يُسمَّى بتحقيق المناط، ومِن ثَمَّ البَحث عن الحُكم الشرعيِّ الذي ينطبق على هذه الواقعة بعدَ إدراك حقيقتها وتصوُّرها كما هي في الواقع، فإذا ما اختلَّ أحدُ هذين الأمرين؛ بأن وُجد الجهل بالحُكم الشرعيِّ، أو حصَل قصور في تصوُّر الواقع، فإنَّ الفتوى الشرعيَّة حينئذٍ تكون مجانِبةً للصَّواب.
ثانيًا: إنَّ عددَ سكَّان سوريَّا قُرابة 25 مليون نسمة، أكثر من 75% منهم مسلمون سُنَّة، فلو افترضْنا أنَّ الشَّباب الذُّكور منهم والقادِر على حمْل السِّلاح 5% فقط - وفي ظنِّي أنَّهم أكثرُ من ذلك- فيكون العددُ قد قارب المليون شابٍّ، كثيرٌ منهم تَتوقُ نفْسُه إلى الجِهاد ضدَّ النِّظام النُّصيريِّ الكافر الظَّالم، وكثيرٌ من هؤلاء الشَّباب قد تدرَّب على استخدام السِّلاح؛ إمَّا خلال التَّجنيد الإجباريِّ الذي كان يفرِضه النِّظام - فانقلب السِّحر على السَّاحر - أو خلال سنوات الحرْب هذه، وعددٌ منهم كان منخرطًا في السِّلك العسكريِّ وسُرِّح منه خلال السَّنوات الماضية، كما صرَّح بذلك عددٌ من قادة الجيش السُّوريِّ الحرِّ، وآخَرون من ضباط وجنود اختاروا الآخِرة على الدُّنيا، والكرامةَ على الذُّلِّ، وانشقُّوا من النِّظام بعد اندلاع الثَّورة.
ولهذا - والله أعلم - صرَّح كثيرٌ من العلماء وقادة الفِكر الإسلاميِّ السُّوريِّين من خارج سوريَّا، كما صرَّح عددٌ من القادة العسكريِّين من داخلها، كرئيس المجلس العَسكريِّ لمحافظة حلب ورِيفها العقيد عبدالجبَّار العكيدي، وذلك بعد معركة القصير، وقائد حركة أحرار الشَّام الإسلاميَّة حسَّان عبود، وقائد لواء التوحيد عبدالقادر الصالح، وغيرهم؛ صرَّحوا بعدم حاجتهم إلى رجالٍ للقتال، وأنَّ المجاهدين هناك يَتناوبون السِّلاح، واتَّفقت كلمتُهم على حاجة البِلاد إلى السِّلاح والمال؛ لِقلَّتهما، ولرَغبة الجميع في المشاركة، وتَصريحاتُهم هذه كثيرةٌ وموجودةٌ على موقع اليوتيوب وتويتر، يُمكن الرُّجوع إليها، وأهل مَكَّةَ أدْرَى بشِعابها.
ثالثًا: وبناءً على هاتين المقدِّمتين، نقول: إنَّ واجب الوقت الآن هو دعْمُ المجاهدين بالمال والسِّلاح، فإنْ حصلتْ كفايتُهم بذلك ولم يندفع العدوُّ، وظهرتْ حاجتهم للرِّجال بتصريح أهل الشَّأن منهم، أعملنا فتوى العلماء المشهورة، وأنزلناها على هذا الواقِع، وأصبح حينئذٍ الجهادُ بالنَّفْس واجبًا على مَن يليهم، ثم الأقرب فالأقرب، كلٌّ على قدر استطاعته مع مراعاة المصالح والمفاسد.
رابعًا: كثيرٌ من الشَّباب المتحمِّس للذَّهاب للجِهاد هناك، لا يُحسِن استخدامَ السِّلاح، ويحتاج إلى تدريب، والتَّدريب يحتاج إلى مُدرِّبين، وسِلاح، ورَصاص؛ كما يحتاجون إلى مَسكنٍ ومأكلٍ ومشربٍ؛ ومِن ثَمَّ فسيكونون عِبئًا على المجاهدين بلا شكٍّ.
خامسًا: كما لا ينبغي أن نغفُل عن أنَّ بلاد المسلمين كافَّةً تمرُّ بظروف عصيبة؛ جرَّاءَ مَكْر اللَّيل والنَّهار من أعداء الإسلام والمسلمين، ومحاولة جَرْف مجتمعاتهم إلى التَّغريب، وسَلخ هُويَّتهم. والمحافظةُ على النَّشء الصَّالح المصلِح الغيور على دِينه، الواعي بمَكر عدوِّه، المجاهِد بلِسانه وقلمِه ضدَّ أعداء الإسلام والمتربِّصين به من العلمانيِّين والليبراليِّين، والرَّافضة، وغيرهم - من أوجب الواجبات؛ فليس من مصلحة بِلاد المسلمين، وخاصَّة بلاد الحرَمين - وهي هدفٌ إستراتيجي للرَّافضة والغَرب وأذنابهم - أن تَخلوَ أو يقلَّ فيها حمَلةُ منهجها الأصيل، بل ربَّما كان ذلك فِرارًا من معركة يُحتاج لك فيها إلى معركة يُصرِّح قادتُها بعدَم حاجتهم إليك الآن!
سادسًا: أمَّا الدَّعوة إلى النَّفير العامِّ؛ فمع أنَّه غيرُ واجبٍ شرعًا في الوقت الرَّاهن، فهو غير واقعيٍّ أيضًا؛ فإنَّ دول الجوار بشِقَّيْها ذات التوجُّه الإيراني (العراق ولبنان)، أو ذات التوجُّه الغربي (الأردن وتركيا) تُشكِّل عائقًا كبيرًا أمامَه، ومَن يَسمَح منهم اليوم بتسلُل أفراد قلائل، فلن يَسمحَ غدًا بجُموع غفيرة.
ولمـَّا أجمعتْ كلمة المجاهدين في سوريَّا وكلمة مَن لهم صِلة بهم في الخارج على حاجتِهم للمال والسِّلاح، أصبح هذا واجبًا على المسلمين، حتَّى ينصرَهم الله تعالى، وتَتحقَّق كفايتُهم منه؛ كلٌّ على قدْر استطاعته، وليس لهذا حَدٌّ معيَّن، أمَّا القول بأنَّه إذا تعيَّن الجهادُ بالمال فيجب على كلِّ قادرٍ من المسلمين تجهيزُ غازٍ، أو يجب أن يُنفِق ما فاض عن حاجته لمدَّة عام؛ فلا أعرف أحدًا من الفُقهاء قال به، وليس عليه دليلٌ.
فعلى المسلم أن يُنفِق ممَّا أعطاه الله على قدْر استطاعته، حتَّى يكتبَ الله النَّصرَ للمسلمين؛ فالجهادُ بالمال مِن أعظمِ أنواع الجهاد، وقد قدَّم الله ذِكرَه في القرآن على الجِهاد بالنَّفس في تِسعة مواضع، وقدَّم الجِهاد بالنَّفس عليه في موضعٍ واحد، ولو تَكفَّلت كلُّ هيئة إسلاميَّة، وكلُّ رابطة من رابطات علماء المسلمين بتجهيز اثنَي عَشَر ألْفَ مجاهدٍ سوريٍّ بالسِّلاح والعَتَاد، لَمَا صمَد أمامَهم النِّظامُ النُّصيريُّ وأعوانُه من الرَّافضة شهرًا واحدًا.
هذا، ومن الجِهاد الواجب: الجهادُ باللِّسان، وهو واجبٌ على كلِّ مقتدر من العلماء والمفتين، والخُطباء والإعلاميِّين، بل وكثيرٍ من عامَّة النَّاس الذين يُجيدون استخدامَ الوسائل الإلكترونيَّة والإعلاميَّة الحديثة، وذلك بتبنِّي هذه القضيَّة، والدِّفاع عن أهلها، والمطالبة بحقوقهم، وحثِّ الحكومات والهيئات على نُصرتهم الواجِبة، وكفِّ أذَى النِّظام الظَّالِم وجُنده عنهم، وبيانِ خُطورة الباطنيِّين مِن نُصيريِّين وروافض، مع تحذير الأمَّة من خطرهم، وفسادهم وإفسادهم، وضرَرهم وإضرارهم، بالأمَّة الإسلاميَّة جمعاء، مع فَضْح شِعارات الغرب الخَدَّاعة من حماية حُريَّة الشُّعوب في تقرير مصيرها، ومعاونةِ الظَّالم على ظُلمه.
كما أنَّ من واجب إخواننا علينا نُصرتَهم بالدُّعاء، لا سيَّما في أوقاتِ الإجابة، وهو سلاحٌ يَغفُل عنه كثيرون، وقدْ نصَر الله به المسلمين في معاركَ كثيرة.
وكلمة أخيرة للعلماء وقادة الفِكر والدَّعوة، وللحُكومات العربيَّة والإسلاميَّة، وللشُّعوب المسلمة جمعاءَ:
إنَّ المعركة التي تدور رَحاها الآن في الشَّام؛ معركة عقائديَّة طائفيَّة، بين الكُفر والرَّفْض من جِهة، وبين الإيمان والسُّنَّة من جِهة أخرى، فُسطاطانِ لا ثالثَ لهما، أمَا إنَّه لو سقطت سوريَّا في يدِ الروافض - لا قدَّر الله - فلتنتظر دولٌ أخرى دَورَها، والجميع يعرِف مطامع إيران في المنطقة، وذِراعها الممتدَّة إلى اليمن ودول الخليج كلِّها، بل إلى دولٍ من إفريقيَّا، والغربُ ليس له صديقٌ دائم، ولا ينظُرُ إلَّا إلى مصالحِه الخاصَّة؛ فهي عنده فوق كلِّ اعتبار، والعاقل تَكفيه الإشارةُ.
واللهُ غالبٌ على أمرِه.
علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
15 شعبان 1434هـ
الحمدُ لله هازم المـُشركين، وناصِر عِباده الموحِّدين، ومشرِّع الجِهاد إلى يوم الدِّين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الملحَمة؛ محمَّد بن عبدالله، ورضِي الله عن صَحابته الكِرام، الذين فتَحوا العراق والشَّام، وهزَموا مجوس الفُرس ونَصارى الرُّومان.
أمَّا بعدُ:
فلا يَخفى على أحدٍ ما يَجري اليوم في بلاد الشَّام الحبيبة، وسوريَّا تحديدًا، من تكالُب أعداء الإسلام مِن نُصَيريِّ النِّظام، ورافضة إيران والعِراق ولبنان، بدَعم من روسيا، وتواطُؤٍ من الغرب، وتخاذُلٍ وخورٍ وعجْزٍ من الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة، حتَّى بِتنا نسمع ونشاهد كلَّ يوم مَقتلةً ومذبحةً، والعالَم كلُّه يتفرَّج ولا يُحرِّك ساكنًا! عدَا تصريحاتٍ سياسيَّة كاذبة، وفي خِضَمِّ ذلك واجَه شبابُ سوريَّا البواسلُ أسلحةَ روسيا وإيران وحِزب اللَّات الثَّقيلةَ بأسلحةٍ خفيفة، غنِموها من النِّظام المجرم، أو جاءتْهم بخوف واستحياء من بعض الدُّول والأفراد.
ولمـَّا طال أمَدُ الحرب، ودخلت الآن سَنتَها الثَّالثة، أثار كثيرٌ من الغيورين مسألة حُكم الجهاد في سوريَّا لغير أهلها؛ وردَّد بعضهم فتوى علماء المسلمين المشهورة، وهي: أنَّ أيَّ بلد يتعرَّض أهلُه للحرب، فيجب وجوبًا عينيًّا على أهل ذاك البلد الدِّفاعُ عنه، وصدُّ العدو الصَّائل؛ فإنْ عجَزوا أو خذلوا، وجَب على مَن يليهم، حتى يصبحَ الجهادُ فرْضَ عينٍ على كلِّ مسلم، حتَّى يردُّوا العدوَّ، وينتصر المسلمون.
فما موقعُ الجهاد في سوريَّا الآن من هذه الفتوى؟ وهل وصل الأمرُ إلى القول بالوجوب العينيِّ للجهاد على كلِّ مسلم، لا يُستأذن فيه الوالدان، ويأثم مَن تركه بغير عُذر؟
الجواب:
أولًا: إنَّ الفتوى في أيِّ قضيَّة نازلة في واقع النَّاس لا بدَّ لها من أمرين: معرفة الحُكم الشَّرعيِّ فيها، والإحاطة التامَّة والدِّراية الكاملة بحقيقة الواقِع، وهو ما يُسمَّى بتحقيق المناط، ومِن ثَمَّ البَحث عن الحُكم الشرعيِّ الذي ينطبق على هذه الواقعة بعدَ إدراك حقيقتها وتصوُّرها كما هي في الواقع، فإذا ما اختلَّ أحدُ هذين الأمرين؛ بأن وُجد الجهل بالحُكم الشرعيِّ، أو حصَل قصور في تصوُّر الواقع، فإنَّ الفتوى الشرعيَّة حينئذٍ تكون مجانِبةً للصَّواب.
ثانيًا: إنَّ عددَ سكَّان سوريَّا قُرابة 25 مليون نسمة، أكثر من 75% منهم مسلمون سُنَّة، فلو افترضْنا أنَّ الشَّباب الذُّكور منهم والقادِر على حمْل السِّلاح 5% فقط - وفي ظنِّي أنَّهم أكثرُ من ذلك- فيكون العددُ قد قارب المليون شابٍّ، كثيرٌ منهم تَتوقُ نفْسُه إلى الجِهاد ضدَّ النِّظام النُّصيريِّ الكافر الظَّالم، وكثيرٌ من هؤلاء الشَّباب قد تدرَّب على استخدام السِّلاح؛ إمَّا خلال التَّجنيد الإجباريِّ الذي كان يفرِضه النِّظام - فانقلب السِّحر على السَّاحر - أو خلال سنوات الحرْب هذه، وعددٌ منهم كان منخرطًا في السِّلك العسكريِّ وسُرِّح منه خلال السَّنوات الماضية، كما صرَّح بذلك عددٌ من قادة الجيش السُّوريِّ الحرِّ، وآخَرون من ضباط وجنود اختاروا الآخِرة على الدُّنيا، والكرامةَ على الذُّلِّ، وانشقُّوا من النِّظام بعد اندلاع الثَّورة.
ولهذا - والله أعلم - صرَّح كثيرٌ من العلماء وقادة الفِكر الإسلاميِّ السُّوريِّين من خارج سوريَّا، كما صرَّح عددٌ من القادة العسكريِّين من داخلها، كرئيس المجلس العَسكريِّ لمحافظة حلب ورِيفها العقيد عبدالجبَّار العكيدي، وذلك بعد معركة القصير، وقائد حركة أحرار الشَّام الإسلاميَّة حسَّان عبود، وقائد لواء التوحيد عبدالقادر الصالح، وغيرهم؛ صرَّحوا بعدم حاجتهم إلى رجالٍ للقتال، وأنَّ المجاهدين هناك يَتناوبون السِّلاح، واتَّفقت كلمتُهم على حاجة البِلاد إلى السِّلاح والمال؛ لِقلَّتهما، ولرَغبة الجميع في المشاركة، وتَصريحاتُهم هذه كثيرةٌ وموجودةٌ على موقع اليوتيوب وتويتر، يُمكن الرُّجوع إليها، وأهل مَكَّةَ أدْرَى بشِعابها.
ثالثًا: وبناءً على هاتين المقدِّمتين، نقول: إنَّ واجب الوقت الآن هو دعْمُ المجاهدين بالمال والسِّلاح، فإنْ حصلتْ كفايتُهم بذلك ولم يندفع العدوُّ، وظهرتْ حاجتهم للرِّجال بتصريح أهل الشَّأن منهم، أعملنا فتوى العلماء المشهورة، وأنزلناها على هذا الواقِع، وأصبح حينئذٍ الجهادُ بالنَّفْس واجبًا على مَن يليهم، ثم الأقرب فالأقرب، كلٌّ على قدر استطاعته مع مراعاة المصالح والمفاسد.
رابعًا: كثيرٌ من الشَّباب المتحمِّس للذَّهاب للجِهاد هناك، لا يُحسِن استخدامَ السِّلاح، ويحتاج إلى تدريب، والتَّدريب يحتاج إلى مُدرِّبين، وسِلاح، ورَصاص؛ كما يحتاجون إلى مَسكنٍ ومأكلٍ ومشربٍ؛ ومِن ثَمَّ فسيكونون عِبئًا على المجاهدين بلا شكٍّ.
خامسًا: كما لا ينبغي أن نغفُل عن أنَّ بلاد المسلمين كافَّةً تمرُّ بظروف عصيبة؛ جرَّاءَ مَكْر اللَّيل والنَّهار من أعداء الإسلام والمسلمين، ومحاولة جَرْف مجتمعاتهم إلى التَّغريب، وسَلخ هُويَّتهم. والمحافظةُ على النَّشء الصَّالح المصلِح الغيور على دِينه، الواعي بمَكر عدوِّه، المجاهِد بلِسانه وقلمِه ضدَّ أعداء الإسلام والمتربِّصين به من العلمانيِّين والليبراليِّين، والرَّافضة، وغيرهم - من أوجب الواجبات؛ فليس من مصلحة بِلاد المسلمين، وخاصَّة بلاد الحرَمين - وهي هدفٌ إستراتيجي للرَّافضة والغَرب وأذنابهم - أن تَخلوَ أو يقلَّ فيها حمَلةُ منهجها الأصيل، بل ربَّما كان ذلك فِرارًا من معركة يُحتاج لك فيها إلى معركة يُصرِّح قادتُها بعدَم حاجتهم إليك الآن!
سادسًا: أمَّا الدَّعوة إلى النَّفير العامِّ؛ فمع أنَّه غيرُ واجبٍ شرعًا في الوقت الرَّاهن، فهو غير واقعيٍّ أيضًا؛ فإنَّ دول الجوار بشِقَّيْها ذات التوجُّه الإيراني (العراق ولبنان)، أو ذات التوجُّه الغربي (الأردن وتركيا) تُشكِّل عائقًا كبيرًا أمامَه، ومَن يَسمَح منهم اليوم بتسلُل أفراد قلائل، فلن يَسمحَ غدًا بجُموع غفيرة.
ولمـَّا أجمعتْ كلمة المجاهدين في سوريَّا وكلمة مَن لهم صِلة بهم في الخارج على حاجتِهم للمال والسِّلاح، أصبح هذا واجبًا على المسلمين، حتَّى ينصرَهم الله تعالى، وتَتحقَّق كفايتُهم منه؛ كلٌّ على قدْر استطاعته، وليس لهذا حَدٌّ معيَّن، أمَّا القول بأنَّه إذا تعيَّن الجهادُ بالمال فيجب على كلِّ قادرٍ من المسلمين تجهيزُ غازٍ، أو يجب أن يُنفِق ما فاض عن حاجته لمدَّة عام؛ فلا أعرف أحدًا من الفُقهاء قال به، وليس عليه دليلٌ.
فعلى المسلم أن يُنفِق ممَّا أعطاه الله على قدْر استطاعته، حتَّى يكتبَ الله النَّصرَ للمسلمين؛ فالجهادُ بالمال مِن أعظمِ أنواع الجهاد، وقد قدَّم الله ذِكرَه في القرآن على الجِهاد بالنَّفس في تِسعة مواضع، وقدَّم الجِهاد بالنَّفس عليه في موضعٍ واحد، ولو تَكفَّلت كلُّ هيئة إسلاميَّة، وكلُّ رابطة من رابطات علماء المسلمين بتجهيز اثنَي عَشَر ألْفَ مجاهدٍ سوريٍّ بالسِّلاح والعَتَاد، لَمَا صمَد أمامَهم النِّظامُ النُّصيريُّ وأعوانُه من الرَّافضة شهرًا واحدًا.
هذا، ومن الجِهاد الواجب: الجهادُ باللِّسان، وهو واجبٌ على كلِّ مقتدر من العلماء والمفتين، والخُطباء والإعلاميِّين، بل وكثيرٍ من عامَّة النَّاس الذين يُجيدون استخدامَ الوسائل الإلكترونيَّة والإعلاميَّة الحديثة، وذلك بتبنِّي هذه القضيَّة، والدِّفاع عن أهلها، والمطالبة بحقوقهم، وحثِّ الحكومات والهيئات على نُصرتهم الواجِبة، وكفِّ أذَى النِّظام الظَّالِم وجُنده عنهم، وبيانِ خُطورة الباطنيِّين مِن نُصيريِّين وروافض، مع تحذير الأمَّة من خطرهم، وفسادهم وإفسادهم، وضرَرهم وإضرارهم، بالأمَّة الإسلاميَّة جمعاء، مع فَضْح شِعارات الغرب الخَدَّاعة من حماية حُريَّة الشُّعوب في تقرير مصيرها، ومعاونةِ الظَّالم على ظُلمه.
كما أنَّ من واجب إخواننا علينا نُصرتَهم بالدُّعاء، لا سيَّما في أوقاتِ الإجابة، وهو سلاحٌ يَغفُل عنه كثيرون، وقدْ نصَر الله به المسلمين في معاركَ كثيرة.
وكلمة أخيرة للعلماء وقادة الفِكر والدَّعوة، وللحُكومات العربيَّة والإسلاميَّة، وللشُّعوب المسلمة جمعاءَ:
إنَّ المعركة التي تدور رَحاها الآن في الشَّام؛ معركة عقائديَّة طائفيَّة، بين الكُفر والرَّفْض من جِهة، وبين الإيمان والسُّنَّة من جِهة أخرى، فُسطاطانِ لا ثالثَ لهما، أمَا إنَّه لو سقطت سوريَّا في يدِ الروافض - لا قدَّر الله - فلتنتظر دولٌ أخرى دَورَها، والجميع يعرِف مطامع إيران في المنطقة، وذِراعها الممتدَّة إلى اليمن ودول الخليج كلِّها، بل إلى دولٍ من إفريقيَّا، والغربُ ليس له صديقٌ دائم، ولا ينظُرُ إلَّا إلى مصالحِه الخاصَّة؛ فهي عنده فوق كلِّ اعتبار، والعاقل تَكفيه الإشارةُ.
واللهُ غالبٌ على أمرِه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق